يُحافظ جامع سليمية على نفسه كتحفةً معمارية عُثمانية في قلب ولاية أدرنة التركية الحدودية مُتحدياً الزمن ويقف شامخاً منذ 446 عاماً.
شيّد الجامع المعماري العُثماني الشهير "سنان" بتوجيهٍ من السلطان العُثماني سليم الثاني عام 1568، وتم بناء المسجد على تلّة مُرتفعة تُطلّ على كافة نواحي المدينة واستغرق إنشاءه سبع سنوات وافتتح للعبادة عام 1575 إلا أن السلطان العُثماني سليم الثاني توفي قبل إتمام عمليات البناء بفترة قصيرة.
يشكل جامع سليمية واحداً من أبرز أعمال المعماري سنان والذي شيده وهو في الثمانين من عُمره واضع فيه جميع خبراته في العمارة وهندسة البناء التي اكتسبها عبر السنين ليصبح الجامع تحفة معمارية رائعة على مرّ القرون.
بدوره أدرجت مُنظمة الأمم المُتحدة للثقافة والعلوم والفنون "اليونيسكو" جامع سليمية على قائمة التُراث الثقافي في العام 2011 وكان أول مسجدٍ يتم إدراجه في القائمة المذكورة وقد اكتسب بذلك شهرة عالمية أكبر وأضحى محط أنظار الجميع بخصائصه المعمارية الفريدة.
ويعتبر المؤرخون جامع سليمية حجر أساس لفت العمارة الإسلامية التركية وتحفة تتحلى بها المدينة، ويأخذ جامع سليمية شكل قبّة كبيرة مُستندة على 8 دعائم مُتخدةً شكل أقلام يصل ارتفاعها إلى 85 متراً، وهي ذاني أعلى مآذن في العالم ارتفاع بعد مأذنة قطب منار في الهند، ويخطف جامع سليمية قلوب وعقول زوّاه بالخزف الملوّن والمنبر المُغطى بالرخام ومقصورة السلطان.
ويتميز جامع سليمية في أدرنة التركية عن غيره بقبته العملاقة التي أنشأت كقبة وحيدة دون ارتكاز على نصف قبة أخرى لتُدهش بذلك المهتمين وطُلاب العمارة والهندسات بارتفاعها البالغ 43 متراً بقطر 35 متر، كما يمتلك الجامع أربع مآذن رفيعة على شكل قلم لكل مأذنة ثلاث شرفات.
ويُذهل جامع سليمية أيضاً كل من يزوره بجمال باحته ذات الرواق والخزف المُلون وهناك أقاويل متداولة بين العامة حول زهرة التوليب المعكوسة والمنقوشة على رخام عمود محفل المؤذن، حيث تروي أحد تلك الأقاويل أن المعماري سنان كان له حفيدة في التاسعة من عمرها وكان يُحبها كثيراً ولا يقوى على فراقها فأحضرها معه إلى أدرنة وبعد فترة مرضت الطفلة وتوفيت في المدينة ليحزن "سنان" على فراقها حزناً شديداً ليقدم إثر ذلك على حفر زهرة توليت معكوسة على غطاء الضريح الذي بناه لها ونفش أخد مساعدي معمار سنان الذي رأى حزنه الشديد على حفيدته زهرة التوليب على رخام محفل المؤذن.
وهناك مقولة أخرى وهي شائعة حتى اليوم بأن الأراض التي أراد معمار سنان بناء جامع سليمية عليها كانت ملكاً لسيدة لديها حديقة مزروعة بزهرة التوليب ولم تقتنع ببيع الأرض إلا بصعوبة شديدة ليأمر معمار سنان بنقش زهرة توليب معكوسة داخل الجامع ليجسد عناد تلك السيدة.
ويرى الخبراء أن بناء جامع سليمية يعتبر شبه مُعجزة بالنظر لتقنيات البناء التي كانت مُتوفرة في ذلك الوقت لذل فإنه يواصل حتى اليوم إثارة الدهشة في عقول الباحثين الذين يزورونه للتعمق أكثر في هندسته المعمارية، ومن ضمن التفسيرات المتعلقة ببناء الجامع أن القبة الوحيدة الكبيرة ترمز للآله الواحد والمآذن الأربع إلى الحلفاء الراشدين ومنابر الوعظ الأربعة إلى المذاهب الإسلامية الأربعة (المذهب الحنفي، المذهب الشافعي، المذهب المالكي، المذهب الحنبلي).
وعن سبب اخيار السلطان سليم الثاني لولاية أدرنة كي يبني جامع سليمية فيها يعود لذلك لزيادة الفتوحات في أوروبا خلال تلك الحقبة.
Comments