لا يخطر على بال أحد منا أننا لا نتكلم عن أكلة شهية أو مشهورة، وإنما نتكلم عن مسجد بُني عن طريق قصة غريبة خُلدت في تاريخ تركيا، مسجد أطلق عليه اسم " كأني أكلت " ولا تعود شهرته إلى كون أجمل أو اكبر مسجد بل تعود إلى قصة بنائه.
قصة مسجد كأنني أكلت
مسجد "كأني أكلت" ويُسمى باللغة التركية "Sanki Yedim Camii" بالعربي تلفظ صانكي يدم واحد من المساجد الأثرية في تركيا، شُيد في القرن الثامن عشر في عهد العثمانيين، ويقع في منطقة فاتح بإسطنبول تركيا, وقصة هذا المسجد، أنه كان يعيش في منطقة الفاتح شخص اسمه "كتشجي زادة"، وكان عندما يمشي في السوق ، وتتوق نفسه لشراء فاكهة، أو لحم، أو حلوى، يقول في نفسه، "كأنني أكلت " ثم يضع ثمن ذلك الطعـام في صندوق له، وتمر الأيام، ومعها يزداد المبلغ في الصندوق حتى توفر له و بعد عشرين سنة، استطاع بهذا المبلغ القيام ببناء مسجد صغير في منطقته.
إن "كتشجي زادة" استوحى فكرة بناء المسجد من رؤيته للسلاطين والأثرياء في العهد العثماني الذين كانوا مولعين ببناء المساجد ويتركون أثرا بعد وفاتهم، فقرر أن يحقق حلمه، ويضع له هدفًا ورؤيةً، يريد أنْ يصل إليها، تلك الرؤية هي بناء مسجد في الحي الذي يَسكُنه, حيث كان الحي بحاجةٍ ماسة إلى مسجدٍ يَجمعهم للصلوات المفروضة، وتُقام فيه حلقاتُ تحفيظ القرآن الكريم لأطفال الحي.
مواصفات مسجد كأنني أكلت
مسجد " كأني أكلت " يتسع لـ 200 مصلٍ، وله قبب كبيرة، و4 أرباع مغطاة بالرصاص، وتحتوي المئذنة على شرفة واحدة مبنية من الخرسانة المسلحة، وهناك على بابه حجر من الرخام نقش عليها تلخيص بسيط لقصة أغرب اسم جامع في مدينة إسطنبول، والمسجد لا يتميز بأي مشهد من مشاهد التفنن المعماري، فهو بالغ البساطة والزهد في بنائه مساحته 200 متر مربع، تعرض الجامع قبل الحرب العالمية الأولى لأضرار جسيمة بسبب حريق كبير، وظل بعدها مهجوراً، وبمساعدة سكان المنطقة وبتبرعات المحسنين أعيد ترميمه.
الحكمة المستوحاة من قصة المسجد
لو نفكر قليلا لوجدنا صاحب مسجد "كأني أكلت" يعطينا حكمة ودرسا ممتازا في التوفير الممكن وعدم التبذير والاقتراض والاقتصاد قدر المستطاع بكل المواد، خاصة أننا نعيش في مجتمعات استهلاكية كبيرة،
وتقديرًا لجهود صاحب المسجد، وتخليدًا لذكراه سمي باسم مقولته المشهورة "كأني أكلت" هذا المسجد الصغير ذو الحشائش الخضراء يكتظ بالمصلين لدرجة أن بعضهم يصلي خارجة.
إن قيمة هذا المسجد ليس في شكله بل في قصته المثيرة للعجب، وبالقيم المتينة في الحياة التي بناه لأجلها التي لم تمت، وما زالت حية صامدة إلى يومنا هذا.
وهذه القصة تحتاج منا إلى وقفة مع النفس، وبخاصة مع أولائك الذين غلب عليهم الاهتمام فقط بأنواع المآكل والمشارب والمطاعم والملابس والموضة، وشراء كل ما هو جديد، حتى كادت أن تكون همهم الأكبر في هذه الحياة، حتى أنهم قد يشترون ما يشتهون وما لا يشتهون، وهم ليسوا بحاجته.
المساجد في تركيا كانت ومازالت لها قيمة عظيمة أكانت فخمة أم بسيطة، فهي تعد من أعظم المعالم والآثار في تركيا.
Comments