في الوقت الذي تشهد به تركيا حرائق وفيضانات غير مسبوقة في تركيا تحمل احدى القطاعات الاقتصادية في الجانب الآخر نهضة مُلفتة حيث أُعلن مؤخراً عن تدفق الغاز الطبيعي من حقل سكاريا الذي تم اكتشافه بتقنيات وكوادر تركية صيف العام الماضي.
وكان الرئيس التركي "رجب طيّب أردوغان" قد أشار إلى حقل الغاز المذكور في معرض افتتاحه لمعمل متخصص بمُنتجات الطاقة المُتجددة قبل أيام في العاصمة التركية أنقرة، ويبدو أن شعلة الغاز التي بدأتها تركيا في البحر الأسود أواخر شهر تموز/يوليو الماضي ستصبح أكبر مع مرور الوقت، إذ أن الطاقة الإنتاجية للبئر المُكتشف تضاهي مليون متراً مكعباً يومياً.
ويجري الحديث حالياً عن استمرار عمل السفن التركية بالتنقيب حيث تعول طواقم السفن على اكتشافات مُحتملة في الفترة القريبة في البحر الأسود بالتزامن مع الآمال التي تُعلقها تركيا على اكتشافات أخرى في مياه البحر المتوسط.
تركيا سوق ضخم للطاقة المُتجددة
جميع هذه الأحداث المتلاحقة تُشير إلى الأهمية المتزايدة التي باتت تتمتع بها تركيا في مجال الطاقة والتي ترتكز على ثلاثة عناصر رئيسية ألها أنها تمُثل سوقاً ضخماً للطاقة بالنظر إلى الثقل السكاني الذي يصل إلى 85 مليون نسمة، فضلاً عن الثقل الإنتاجي المُقارب لتريليون دولار أمريكي وهي مجموع ما تُنتجه القطاعات التركية المُختلفة خلال عام واحد.
أما العنصر الثاني فيتجسد بموقع تركيا بين قارتي آسيا وأوروبا وضمن مواقع إنتاج الغاز الطبيعي والنفط وأسواق تصريفه، ويأتي العنصر التقني ثالثاً التي أضحت تركيا تمتلكه ويؤهلها للمزيد من الاكتشافات في مجالات النفط والغاز وزيادة الإنتاج في مجال الطاقة المُتجددة في المُستقبل.
سوق الطاقة التركي يمُثل فرضة كبيرة للمُستثمرين الدوليين
تُسدد تركيا بشكل سنوي أكثر من 40 مليار دولار أمريكي ثمناً لمستورداتها من النفط والغاز وهو مبلغ ضخم نسبياً في سوق الطاقة فالرقم يُقارب صادرات السعودية غير النفطية على أساس سنوي ويزيد عن 12% من تجارتها النفطية لعام 2019، أي أن سوق الطاقة التركي يُمثل فرصة كبيرة للمُستثمرين الدوليين ليس في مجال التصدير فحسب ولكن في مجال الإنتاج والتوزيع والترشيد وكذلك تطوير البدائل المُتجددة فتركيا تستورد سنوياً أكثر من 47 مليون طن من النفط الخام إضافةً لـ 45 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.
يُشار إلى أن قدرات البلاد ارتفعت في قطاع الطاقة المُتجددة بشكلٍ مُلفت حيث أسهم هذا النوع من الطافة في توفير نصف احتياجات القطاع الكهربائي في العام الماضي بعد أن كانت تمثل أقل من 30% في العام 2014، ولقد باتت تركيا تستثمر في مشاريع الطاقة المُتجددة من طاقة شمسية وكهرومائية وطاقة رياح أكثر من أي وقتٍ مضى.
وقد ساهم تنوع الطبيعة واتساع الرقعة الجغرافية في تطوير هذا التنوع، وتستغل تركيا مخزونها العالي من الفحم لتوليد الكهرباء عدا عن استثمارها في عدد من مشاريع الطاقة النووية المتوقع دخولها في الخدمة عام 2023.
تركيا محطة لمرور أنابيب النفط والغاز الدولية
كما أسهم الموقع الاستراتيجي لتركيا في تعزيز قدراتها على استقبال الغاز والنفط وتصديره عبر مرور عددٍ من الأنابيب الدولية في أراضيها، فتركيا التي تتوزع مدنها على قارتين وتجاوز نفط العراق حيث تقع الشعلة الأولية التي أتقدت منذ مئات السنين دون أن تنطفئ ويمر عبرها خط نفط كركوك إلى ميناء تصدير جيهان عبر شواطئ المتوسط، بالإضافة إلى إيران وأذربيجان وروسيا الدول التي تتمتع بمخزون ضخم من النفط والغاز وتمد أنابيب دولية عبر تركيا لتشكل جسراً نحو القارة الأوروبية، إذ تمتلك تركيا روابط مع ستة أنابيب غاز دولية إضافةً لأنابيب النفط.
مُنشآت تركية ضخمة لتخزين الغاز الطبيعي
وطوّرت تركيا من قدراتها على تخزين الغاز من خلال عدة مُنشآت ضخمة كمُنشأة "توز غولو" في مدينة أكسراي التي تُقدر سعة خزاناتها الحالية بحوالي 700 مليون متر مكعب، وسيضمن لها توسع المُنشأة أن تصل إلى 5 مليارات متر مكعب كسعة إجمالية مع انتهاء استكمال كامل خزاناتها.
ومن المتوقع أن يؤهل تركيا موقعها الاستراتيجي من مرور أنابيب غاز شرق المتوسط عبرها حيث أن دول مُنتدى شرق المتوسط وإن كانت قد اتفقت من الناحية النظرية على استثناء تركيا من مرور الأنابيب عبرها نحو أوروبا إلا أن الحسابات الاقتصادية التي تتعلق بالتكلفة وطول الخط تشير إلى أن من مصلحة هذه الدول مراجعة قراراتها لإدخال تركيا في هذا التحالف لاسيما أن تركيا تنخرط في عمليات تنقيب مُستمرة في نفس المنطقة قد تفضي إلى نتائج قريبة.
تركيا تخفض من الاعتماد على استيراد الغاز من الخارج
وعلاوة على التنقيب والاستثمار في الطاقة المُتجددة وخطوط نقل الطاقة وتخزينها نوعت تركيا من سلة موردي الغاز الذي تعتمد عليهم فخفضت اعتمادها على الغاز الروسي من قرابة ثلثين إلى الثلث في السنوات العشر الأخيرة.
وارتفع اعتماد تركيا على أذربيجان وقطر اللتان تقدمان لتركيا أسعاراً تنافسية وعروضاً استراتيجية وتستورد تركيا أيضاً الغاز من الجزائر وأماكن أخرى في سبيل دراسة الفرصة الأنسب دون أن يُشكل ارتكازها على مورد واحد بعينه تأثيرات اقتصادية أو سياسية عميقة.
وهذا قد يحتاج لبعض الوقت لينعكس على فاتورة المُستهلك النهائية ولكن عند حصول سيفيد في دعم الأسعار وتحفيز الإنتاج وتقليل التضخم وبالتأكيد توفير العملة الصهبة وتقليل فجوة عجز الموازنة الحكومية السنوية ولكنه عند حصوله سيفيد في دعم الأسعار وتحفيز الإنتاج وتقليل التضخم وبالتأكيد توفير العملة الصعبة، فضلاً عن تقليل فجوة عجز الموازنة الحكومية السنوية أي أننا نتحدث عن آثار واضحة وإيجابية على مُجمل الاقتصاد التركي.
Comments