أعلن "مًصطفى كمال أتاتورك" تأسيس الجمهورية التركية الحديثة يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر في العام 1923 عقب الانتصارات التي حققها الجيش التركي بقيادته على المُستعمر الغربي في حرب التحرير والاستقالال التي استمرت 4 سنوات.
وأولى أتاتورك أهمية خاصة للرسم والنحت وأضحت تماثيل المؤسس أتاتورك التي تصور نجاجاته العسكرية والسياسية تزيّن ميادين المُدن والقرى في مُختلف أرجاء البلاد.
نصب الجمهورية في ميدان تقسيم
ووقع الاختيار على ميدان تقسيم الواقع في حي بيوغلو في العام 1925 لوضع نصب كبير لتخليد روح مقاومة ونضال الشعب التركي بقيادة أتاتورك بالإضافة لتصوير خطط وطموحات الجمهورية الشابة في طريقها نحو ركب الحضارة.
منذ وضع النصب في ميدان تقسيم أطلق عليه اسم "نصب الجمهورية" وذلك يوم 8 آب/أغسطس 1925 وأضحى رمزاً ومعلماً لمدينة إسطنبول حتى اليوم، وما من زائرٍ للمدينة إلا وقد مرّؤ بجواره أو التقط صورة تذكارية معه وذُهل بجماله وضخامته وروعته ودقة تفاصيله.
نصب الجمهورية قصة حماس تركيا الفتية
وفي السنوات الأولى من تأسيس الجمهورية وعقب تغيير اسم الشارع الواصل إلى ميدان تقسيم من الشارع الكبير إلى شارع الاستقلال تولّت بلدية إسطنبول تأسيس لجنة من أجل إقامة صرح ونصب ضخم يروي حكاية حماس الجمهورية اليافعة وحرب الاستقلال للأجيال القادمة بلغة أكثر حداثة.
وعقب اتخاذ القرار وتحديد مكان النصب أسندت المهمة للنحات الإيطالي الشهير "بيترو كانونيكا" مقابل 16 ألف و500 جنيه استرليني وكان النحات قد قابل أتاتورك أكثر من مرة في أنقرة وصنع العديد من المنحوتات له أيضاً وبعد الاتفاق وقع النحات الإيطالي العقد رسمياً مع سداد المبلغ على شكل أقساط كونه يعتبر مبلغ كبير في ذلك الوقت.
تكلفة التمثال أكبر من ميزانية الدولة!
بعد عودة النحات إلى ورشته في إيطاليا حصلت تطورات كبيرة إذ أن الجمهورية التركية لم تكن تملك هذا القدر الكبير من المال واتفق على أن يتم تمويل المنشور من خلال حملة تبرعات شعبية تُنظمها بلدية إسطنبول وما إن بدأت الحملة حتى هبّ الشعب والمؤسسات والشركات بتقديم التبرعات بحسب قدرة كل متبرع وإمكانياته.
تنظيم وتجميل ميدان تقسيم استعداداً لاستقبال نصب الجمهورية
ولم تكتفي بلدية إسطنبول بهذا النصب فقط بل كلفت المعماري الكراوتي "جوليو مونجيري" بتصميم وتنظيم الميدان والساحة حول النصب أيضاً، في الوقت الذي كان النحات الإيطالي يعمل على المنحوتة في بلاده.
نصب الجمهورية جمع بين الجمهورية الفتية والفن الكلاسيكي
استمر العمل على نحت النصب عاملين ونصف وفيما بخص أسلوب التصميم فقد جمع النحات بين قيم الجمهورية الفنية وأسلوبه الخاص والفن التركي الكلاسيكي، يرتفع اليوم نصب الجمهورية على قاعدة عريضة تتكون من أنصاف دائرة وأقواس في منتصف ساحة مُستديرة يبلغ ارتفاعها 11 متراً مُغطاة بالرخام الوردي والأخضر ومزدحمة بتماثيل اخلّد أبرز شخصيات الجمهورية الفتية وأبطال حرب التحرير والاستقلال وتتكون من أقواس صغيرة وكبيرة ذات زوايا مُغلقة مُحددة بأقواس مُدببة على أربعة وجوه.
نصب الجمهورية يروي قصة نضال الشعب التركي
إن الجهة الشمالية للنصب تصور مقاومة ونضال الشعب التركي أثناء حرب التحرير والاستقلال بقيادة أتاتورك بالزي العسكري، كرمز لدوره كقائد، فيما تشكل الجهة الجنوبية للدور السياسي والدبلوماسي الذي أسس للجمهورية التركية الحديثة عبر تصوير مصطفى كمال أتاتورك بملابس مدنية وإلى جواره رئيس وزرائه "عصمت إينونو" ورئيس الأركان العامة الفريق "فوزي تشاكماك"، بالإضافة لجنرالان روسيّان خلفهما مباشرة هما "ميخائيل فاسيليفيس فرونزي" بملابس مدنية و"كيلمينت فوروشيلوف" بزي عسكري، بذلك للإشارة إلى الدعم الذي قدمه السوفييت للأتراك خلال حقبة النضال الوطني.
المرأة التركية باختلاف معتقداتها حاضرة في نصب الجمهورية
ويوجد أيضاً بورتريه لامرأة مُحجبة فوق الجندي الذي يحمل الراية في الجهة الشرقية، بالإضافة لبورتريه آخر لفتاة غير محجبة فوق الجندي الذي حمل الراية في الجهة الغربية في إشارة لاحترام المرأة التركية باختلاف معتقداتها الدينية وإبراز دورها في حرب التحرير التركية مع احترام لباسها التقليدية بالتزامن مع رؤية الجمهورية التركية نحو الحداثة والتحضر.
ويجسد نصب الجمهورية الشامخ مقابل شارع الاستقلال في تقسيم حكاية الجمهورية التركية الشابة وانتقالها بحماس من الحرب للسلام وتوجهها نحو الحداثة والمُستقبل المُشرق.
Comments